فصل: الجزء الثاني

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الكتاب **


الجزء الثاني

بسم الله الرحمن الرحيم

  هذا باب مجرى نعت المعرفة عليها

فالمعرفةُ خمسة أشياء‏:‏ الأسماء التي هي أعلامٌ خاصةً والمضاف الى المعرفة إذا لم ترد معنى التنوين والألف واللامُ والأسماء المبهمة والإضمارُ‏.‏

فأما العلامة المختصة فنحو زَيدٍ وعَمرٍو وعبدِ الله وما أشبه ذلك‏.‏

وإنما صار معرفةً لأنه اسمٌ وقع عليه يُعرف به بعينه دون سائر أمته‏.‏

وأما المضاف الى معرفة فنحو قولك‏:‏ هذا أخوك ومررتُ بأبيك وما أشبه ذلك‏.‏

وإنما صار معرفةً بالكاف التي أضيف إليها لأن الكاف يراد بها الشيء بعينه دون سائر أمّته‏.‏

وأما الألف واللام فنحو الرجل والفرس والبعير وما أشبه ذلك‏.‏

وإنما صار معرفة لأنك أردت بالألف واللام الشيء بعينه دون سائر أمته لأنك قلت‏:‏ مررتُ برجلٍ فإنك إنما زعمت أنك إنما مررت بواحدٍ ممن يقع عليه هذا الاسمُ لا تريد رجلاً بعينه يعرفه المخاطَب‏.‏

وإذا أدخلتَ الألف واللام فإنما تُذكّره رجلاً قد عرَفه فتقول‏:‏ الرجل الذي من أمره كذا وكذا ليتوهّم الذي كان عهدَه ما تذكّر من أمره‏.‏

وأما الأسماء المبهمة فنحو هذا وهذه وهذان وهاتان وهؤلاء وذلك وتلك وذانك وتانك وأولئك وما أشبه ذلك‏.‏

وإنما صارت معرفةً لأنها صارت أسماء إشارة الى الشيء دون سائر أمّته‏.‏

وأما الإضمار فنحو‏:‏ هو وإياه وأنتَ وأنا ونحن وأنتم وأنتنّ وهنّ وهم وهي والتاء التي في فعَلتُ وفعلَتْ وفعلْتِ وما زِيدَ على التاء نحو قولك‏:‏ فعلتما وفعلتم وفعلتنّ والواو التي في فعلُوا والنون والألف اللتان في فعلْنا في الاثنين والجميع والنون في فعلْنَ والإضمار الذي ليست له علامة ظاهرة نحو‏:‏ قد فعل ذلك والألف التي في فعَلا والكاف والهاء في رأيتُكَ ورأيته وما زيدَ عليهما نحو‏:‏ رأيتكما ورأيتكم ورأيتهما ورأيتهم ورأيتكنّ ورأيتهنّ والياء في رأيتُني والألف والنون اللتان في رأيتَنا وغُلامُنا والكاف والهاء اللتان في بكَ وبه وبها وما زيد عليهنّ نحو قولك‏:‏ بكما وبكم وبكنّ وبهما وبهم وبهنّ والياء في غلامي وبي‏.‏

وإنما صار الإضمار معرفة لأنك إنما تضمِر اسماً بعد ما تعلم أن مَنْ يحدَّث قد عرف مَن تعني وما تعني وأنك تريد شيئاً يعلمه‏.‏

واعلم أن العَلَم الخاص من الأسماء يوصَف بثلاثة أشياء‏:‏ بالمضاف الى مثله وبالألف واللام وبالأسماء المبهمة‏.‏

فأما المضاف فنحو‏:‏ مررتُ بزيدٍ أخيك‏.‏

والألف واللام نحو قولك‏:‏ مررت بزيد الطويل وما أشبه هذا من الإضافة والألف واللام‏.‏

وأما المبهمة فنحو‏:‏ مررتُ بزيد هذا وبعمرو ذاك‏.‏

والمضاف الى المعرفة يوصف بثلاثة أشياء‏:‏ بما أضيف كإضافته وبالألف واللام والأسماء المبهمة وذلك‏:‏ مررتُ بصاحبك أخي زيد ومررتُ بصاحبك الطويل ومررت بصاحبك هذا‏.‏

فأما الألف واللام فتوصف بالألف واللام وبما أضيف الى الألف واللام لأن ما أضيف الى الألف واللام بمنزلة الألف واللام فصار نعتاً كما صار المضاف الى غير الألف واللام صفةً لما ليس فيه الألف واللام نحو مررتُ بزيد أخيك وذلك قولك‏:‏ مررتُ بالجميل النبيل ومررتُ بالرجل ذي المال‏.‏

وإنما منع أخاك أن يكون صفةً للطويل أن الأخ إذا أضيف كان أخصَّ لأنه مضاف الى الخاص والى إضماره فإنما ينبغي لك أن تبدأ به وإن لم تكتفِ بذلك زدتَ من المعرفة ما تزداد به معرفة‏.‏

وإنما منع هذا أن يكون صفةً للطويل والرجل أن المخبِر أراد أن يقرّب به شيئاً ويشير إليه لتعرفه بقلبك وبعينك دون سائر الأشياء‏.‏

وإذا قال الطويل فإنما يريد أن يعرّفك شيئاً بقلبك ولا يريد أن يعرّفكه بعينك فلذلك صار هذا يُنعت بالطويل ولا يُنعت الطويل بهذا لأنه صار أخصَّ من الطويل حين أراد أن يعرّفه شيئاً بمعرفة العين ومعرفة القلب‏.‏

وإذا قال الطويل فإنما عرّفه شيئاً بقلبه دون عينه فصار ما اجتمع فيه شيئان أخصّ‏.‏

واعلم أن المبهمة توصَف بالأسماء التي فيها الألف واللام والصفات التي فيها الألف واللام جميعاً‏.‏

وإنما وُصفتْ بالأسماء التي فيها الألف واللام لأنها والمبهمة كشيء واحد والصفات التي فيها الألف واللام هي في هذا الموضع بمنزلة الأسماء وليست بمنزلة الصفات في زيد وعمرو إذا قلتَ مررتُ بزيد الطويل لأني لا أريد أن أجعل هذا اسماً خاصاً ولا صفةً له يُعرف بها وكأنك أردت أن تقول مررت بالرجل ولكنك إنما ذكرت هذا لتقرّب به الشيء وتشير إليه‏.‏

ويدلّك على ذلك أنك لا تقول‏:‏ مررتُ بهذين الطويل والقصير وأنت تريد أن تجعله من الاسم الأول بمنزلة هذا الرجل ولا تقول‏:‏ مررتُ بهذا ذي المال كما قلت‏:‏ مررتُ بزيد ذي المال‏.‏

واعلم أن صفات المعرفة تجري من المعرفة مجرى صفات النكرة من النكرة وذلك قولك‏:‏ مررتُ بأخوَيْك الطويلَيْن فليس في هذا إلا الجرّ كما ليس في قولك‏:‏ مررت برجل طويل إلا الجرّ‏.‏

وتقول‏:‏ مررت بأخوَيْك الطويل والقصير ومررتُ بأخوَيك الراكع والساجد ففي هذا البدل وفي هذا الصفة وفيه الابتداء كما كان ذلك في مررت برجلين صالح وطالح‏.‏

وإذا قلت‏:‏ مررت بزيد الراكع ثم الساجد أو الراكع فالساجد أو الراكع لا الساجد أو الراكع أو الساجد أو إما الراكع وإما الساجد وما أشبه هذا لم يكن وجه كلامه إلا الجرّ كما كان ذلك في النكرة‏.‏

فإن أدخلتَ بل ولكنْ جاز فيهما ما جاز في النكرة‏.‏

فعلى هذا فقِس المعرفة‏.‏

وقد مضى الكلام في النكرة فأغنى عن إعادته في المعرفة لأن الحكم واحد‏.‏

واعلم أن كل شيء كان للنكرة صفةً فهو للمعرفة خبر وذلك قولك‏:‏ مررت بأخويك قائمَيْن فالقائمان هنا نصب على حدّ الصفة في النكرة‏.‏

وتقول‏:‏ مررت بأخويك مسلماً وكافراً هذا على مَن جرّ وجعلهما صفةً للنكرة ومن جعلهما بدلاً من النكرة جعلهما بدلاً من المعرفة كما قال الله عز وجل‏:‏ ‏"‏ لَنَسْفَعاً بالناصيةِ‏.‏

ناصيةٍ كاذبةٍ خاطئة ‏"‏‏.‏

وأنشدنا لبعض العرب الموثوق بهم‏:‏

فإلى ابنِ أمّ أناسٍ ارحلُ ناقتي ** عمرٍو فتُبلغُ حاجتي أو تُزحِفُ

ملِكٍ إذا نزل الوفودُ ببابه ** عرَفوا مواردَ مُزبِدٍ لا يُنزَفُ

ومَن رفع في النكرة رفع في المعرفة‏.‏

قال الفرزدق‏:‏

فأصبح في حيثُ التقينا شريدُهمْ ** طليقٌ ومكتوفُ اليدينِ ومُزعِفُ

فلا تجعلي ضيفَيّ ضيفٌ مُقرَّبٌ ** وآخرُ معزولٌ عن البيت جانبُ

والنصب جيّد كما قال النابغة الجعدي‏:‏

وكانت قُشَيرٌ شامتاً بصديقها وآخرَ مَرزيّا وآخرَ رازِيا وقال الآخر وهو ذو الرمّة‏:‏

تَرى خلقَها نِصفٌ قناة قويمة ** ونصفٌ نقاً يرتجّ أو يتمرْمرُ

وبعضهم ينصب على البدل‏.‏

وإن شئت كان بمنزلة رأيتُه قائماً كأنه صار خبراً على حدّ من جعله صفة للنكرة على الأوجه الثلاثة‏.‏

واعلم أن المضمر لا يكون موصوفاً من قِبل أنك إنما تضمِر حين ترى أن المحدَّث قد عرف مَن تعني ولكن لها أسماء تُعطَف عليها تعمّ وتؤكد وليست صفةً لأن الصفة تحلية نحو الطويل أو قرابة نحو أخيك وصاحبك وما أشبه ذلك أو نحو الأسماء المبهمة ولكنها معطوفة على الاسم تجري مجراه فلذلك قال النحويون صفة‏.‏

وذلك قولك‏:‏ مررت بهم كلهم أي لم أدعْ منهم أحداً ويجيء توكيداً كقولك‏:‏ لم يبق منهم مُخبّر وقال بقي منهم‏.‏

ومثله أيضاً‏:‏ مررتُ بهم أجمعين أكتعين ومررتُ بهم جُمَعَ كُتَع ومررتُ بهم أجمعَ أكتعَ ومررتُ بهم جميعهم‏.‏

فهكذا هذا وما أشبه‏.‏

ومنه مررتُ به نفسِه ومعناه مررتُ به بعينه‏.‏

واعلم أن الخاص من الأسماء لا يكون صفةً لأنه ليس بحليةٍ ولا قرابة ولا مبهم ولكنه يكون معطوفاً على الاسم كعطف أجمعين‏.‏

وهذا قول الخليل رحمه الله وزعم أنه من أجل ذلك قال‏:‏ يا أيها الرجل زيدٌ أقبلْ‏.‏

قال‏:‏ لو لم يكن على الرجل كان غيرَ منوَّن‏.‏

وإنما صار المبهم بمنزلة المضاف لأن المبهم تقرِّب به شيئاً أو تُباعده وتُشير إليه‏.‏

ومن الصفة‏:‏ أنت الرجل كلُّ الرجل ومررت بالرجل كلِّ الرجل‏.‏

فإن قلت‏:‏ هذا عبد الله كلُّ الرجل أو هذا أخوك كلُّ الرجل فليس في الحُسن كالألف واللام لأنك إنما أردت بهذا الكلام هذا الرجل المبالغ في الكمال ولم ترد أن تجعل كل الرجل شيئاً تعرّف به ما قبله وتبيّنه للمخاطب كقولك‏:‏ هذا زيد‏.‏

فإذا خفت أن يكون لم يُعرَف قلت‏:‏ الطويل ولكنك بنيت هذا الكلام على شيء قد أثبتّ معرفته ثم أخبرت أنه مستكمِلٌ للخِصال‏.‏

ومثل ذلك قولك‏:‏ هذا العالِم حقُّ العالِم وهذا العالم كلُّ العالم إنما أراد أنه مستحقٌ للمبالغة في العلم‏.‏

فإذا قال هذا العالم جِدُّ العالم فإنما يريد معنى هذا عالِم جداً أي هذا قد بلغ الغاية في العلم‏.‏

فجرى هذا الباب في الألف واللام مجراه في النكرة إذا قلت‏:‏ هذا رجلٌ كلُّ رجل وهذا عالمٌ حقُّ عالم وهذا عالمٌ جدُّ عالم‏.‏

ويدلّك على أنه لا يريد أن يثبّت بقوله كلُّ الرجل الأول أنه لو قال‏:‏ هذا كلُّ الرجل كان مستغنياً به ولكنه ذكر الرجل توكيداً كقولك‏:‏ هذا رجلٌ صالحٌ ولم يرد أن يبيّن بقوله كلُّ الرجل ما قبله كما يبين زيداً إذا خاف أن يلتبس فلم يرد ذلك بالألف واللام وإنما هذا ثناء يحضُرك عند ذكرك إياه‏.‏

ومن الصفة قولك‏:‏ ما يَحسن بالرجل مثلِك أن يفعل ذاك وما يحسن بالرجل خيرٍ منك أن يفعل ذاك‏.‏

وزعم الخليل رحمه الله أنه إنما جرّ هذا على نية الألف واللام ولكنه موضعٌ لا تدخله الألف واللام كما كان الجَمّاء الغفيرَ منصوباً على نيّة إلقاء الألف واللام نحو طُرّاً وقاطبةً والمصادر التي تشبهها‏.‏

وزعم رحمه الله أنه لا يجوز في‏:‏ ما يحسن بالرجل شبيهٍ بك الجرّ لأنك تقدّر فيه على الألف واللام‏.‏

وقال‏:‏ وأما قولهم‏:‏ مررتُ بغيرك مثلك وبغيرك خيرٍ منك فهو بمنزلة مررتُ برجل غيرك خيرٍ منك لأن غيرك ومثلك وأخواتها يكنّ نكرة ومَن جعلها معرفة قال‏:‏ مررتُ بمثلك خيراً منك وإن شاء خيرٍ منك على البدل‏.‏

وهذا قول يونس والخليل رحمهما الله‏.‏

واعلم أنه لا يَحسن ما يحسن بعبد الله مثلِك على هذا الحد‏.‏

ألا ترى أنه لا يجوز‏:‏ ما يَحسن بزيد خيرٍ منك لأنه بمنزلة كل الرجل في هذا‏.‏

فإن قلت‏:‏ مثلِك وأنت تريد أن تجعله المعروف بشبهه جاز وصار بمنزلة أخيك‏.‏

ولا يجوز في خيرٍ منك لأنه نكرة فلا تُثبِت به المعرفة‏.‏

ولم يُرد في قوله‏:‏ ما يحسن بالرجل خيرٍ منك أن يُثبِت له شيئاً بعينه ثم يعرّفه به إذا خاف التباساً‏.‏

واعلم أن المنصوب والمرفوع يجري معرفتُهما ونكرتُهما في جميع الأشياء كالمجرور‏.‏

  باب بدل المعرفة من النكرة والمعرفة من المعرفة وقطع المعرفة من المعرفة

مبتدأة أما بدل المعرفة من النكرة فقولك‏:‏ مررتُ برجلٍ عبدِ الله‏.‏

كأنه قيل له‏:‏ بمَن مررت أو ظنّ أنه يقال له ذاك فأبدل مكانه ما هو أعرفُ منه‏.‏

ومثل ذلك قوله عزّ وجل ذكره‏:‏ ‏"‏ وإنك لَتَهدي الى صِراطٍ مستقيمٍ صِراطِ الله ‏"‏‏.‏

وإن شئت قلت‏:‏ مررتُ برجلٍ عبدُ الله كأنه قيل لك‏:‏ مَن هو أو ظننت ذلك‏.‏

ومن البدل أيضاً‏:‏ مررتُ بقوم عبدِ الله وزيد وخالد والرفعُ جيد‏.‏

وقال الشاعر وهو بعض الهُذليين وهو مالك بن خُويلد الخُناعي‏:‏ يا مَيّ إن تَفقِدي قوماً وَلدتِهمِ أو تُخلَسيهم فإن الدهر خلاسُ والرفع جائز قوي لأنه لم ينقض معنىً كما فعل ذلك في النكرة‏.‏

وأما المعرفة التي تكون بدلاً من المعرفة فهو كقولك‏:‏ مررتُ بعبد الله زيد إما غلطتَ فتداركتَ وإما بدا لك أن تُضرِب عن مرورك بالأول وتجعله للآخر‏.‏

وأما الذي يجيء مبتدأ فقول الشاعر وهو مُهلهلٌ‏:‏ ولقد خبَطنَ بيوتَ يَشكُرَ خَبطةً أخوالُنا وهُمُ بنو الأعمامِ كأنه حين قال‏:‏ خبطنَ بيوت يشكرَ قيل له‏:‏ وما هم فقال‏:‏ أخوالُنا وهم بنو الأعمام‏.‏

وقد يكون مررتُ بعبد الله أخوك كأنه قيل له‏:‏ مَن هو أو مَن عبدُ الله فقال‏:‏ أخوك‏.‏

وقال الفرزدق‏:‏ ورثتُ أبي أخلاقَه عاجِلَ القِرى وعَبطَ المَهاري كُومُها وشَبوبُها كأنه قيل له‏:‏ أيُّ المهاري فقال‏:‏ كومُها وشَبوبُها‏.‏

وتقول‏:‏ مررتُ برجلٍ الأسدِ شدةً كأنك قلت‏:‏ مررتُ برجلٍ كامل لأنك أردت أن ترفع شأنَه‏.‏

وإن شئت استأنفتَ كأنه قيل له‏:‏ ما هو‏.‏

ولا يكون صفةً كقولك‏:‏ مررتُ برجلٍ أسدٍ شدةً لأن المعرفة لا توصَف بها النكرة ولا يجوز أن توصَف بنكرة أيضاً لما ذكرتُ لك‏.‏

والابتداء في التبعيض أقوى‏.‏

وهذا عربي جيد‏:‏ قوله وساقيَيْن مثلِ زيدٍ وجُعَل سَقْيانٍ مَمشوقان مَكنوزاً العَضَلْ باب ما يجري عليه صفةُ ما كان من سببه وصفتُ ما التبس به أو بشيء من سببه كمجرى صفته التي خَلصتْ له هذا ما كان من ذلك عملاً‏.‏

وذلك قولك‏:‏ مررتُ برجلٍ ضاربٍ أبوه رجلاً ومررتُ برجلٍ ملازمٍ أبوه رجلاً‏.‏

ومن ذلك أيضاً‏:‏ مررت برجل ملازم أباه رجلٌ ومررت برجل مخالط أبه داءٌ‏.‏

فالمعنى فيه على وجهين‏:‏ إن شئت جعلته يلازمه ويخالطه فيما يُستقبل وإن شئت جعلته عملاً كائناً في حال مرورك‏.‏

وإن ألقيتَ التنوينَ وأنت تريد معناه جرى مثله إذا كان منوّناً‏.‏

ويدلّك على ذلك أنك تقول‏:‏ مررتُ برجلٍ ملازمك‏.‏

فيَحسُن ويكون صفة للنكرة بمنزلته إذا كان منوّناً‏.‏

وحين قلت‏:‏ مررتُ برجل ملازم أباه رجلٌ وحين قلت‏:‏ مررتُ برجل ملازم أبيه رجلٌ فكأنك قلت في جميع هذا‏:‏ مررتُ برجل ملازم أباه ومررتُ برجلٍ ملازم أبيه لأن هذا يجري مجرى الصفة التي تكون خالصةً للأول‏.‏

وتقول‏:‏ مررتُ برجلٍ مخالِطِ بَدنه أو جسدِه داءٌ فإن ألقيتَ التنوينَ جرى مجرى الأول إذا فإن قلت‏:‏ مررتُ برجلٍ مخالطِه داء وأردتَ معنى التنوين جرى على الأول كأنك قلت‏:‏ مررتُ برجل مخالطٍ إياه داء‏.‏

فهذا تمثيل وإن كان يقبحُ في الكلام‏.‏

فإذا كان يجري عليه إذا التبس بغيره فهو إذا التبس به أحرى أن يجري عليه‏.‏

وإن زعم زاعمٌ أنه يقول مررتُ برجل مخالطِ بدنه داء ففرق بينه وبين المنوَّن‏.‏

قيل له‏:‏ ألستَ تعلم أن الصفة إذا كانت للأول فالتنوين وغير التنوين سواء إذا أردت بإسقاط التنوين معنى التنوين نحو قولك‏:‏ مررتُ برجل ملازمٍ أباك ومررت برجلٍ ملازمِ أبيك أو ملازمِك فإنه لا يجد بُدّاً من أن يقول نعم وإلا خالف جميعَ العرب والنحويين‏.‏

فإذا قال ذلك قلتَ‏:‏ أفلستَ تجعل هذا العمل إذا كان منوّناً وكان لشيء من سبب الأول أو التبس به بمنزلته إذا كان للأول فإنه قائل‏:‏ نعم وكأنك قلت مررتُ برجل ملازم‏.‏

فإذا قال ذلك قلتَ له‏:‏ ما بالُ التنوين وغير التنوين استويا حيث كانا للأول واختلفا حيث كانا للآخِر وقد زعمتَ أنه يجري عليه إذا كان للآخِر كمجراه إذا كان للأول‏.‏

ولو كان كما يزعمون لقلتَ‏:‏ مررتُ بعبد الله الملازمِه أبوه لأن الصفة المعرفة تجري على المعرفة كمجرى الصفة النكرة على النكرة‏.‏

ولو أن هذا القياس لم تكن العرب الموثوق بعربيتها تقوله لم يُلتفت إليه ولكنّا سمعناها تنشد هذا البيت جرّا وهو قول ابن ميّادة المُرّيّ من غَطَفان‏:‏ ونظرْنَ من خَلَل الخدور بأعيُنٍ مَرضى مُخالطها السّقامُ صِحاحِ وسمعنا من العرب من يرويه ويروي القصيدة التي فيها هذا البيت لم يلقّنه أحدٌ هكذا‏.‏

وأنشد غيره من العرب بيتاً آخر فأجروه هذا المجرى وهو قوله‏:‏

حَمينَ العَراقيبَ العصا وتركنَه ** به نَفَسٌ عالٍ مُخالطُه بُهْرُ

فالعمل الذي لم يقع والعمل الواقع الثابت في هذا الباب سواء وهو القياس وقولُ العرب‏.‏

فإن زعموا أن ناساً من العرب ينصبون هذا فهم ينصبون‏:‏ به داء مخالطَه وهو صفة للأول‏.‏

وتقول‏:‏ هذا غلامٌ لك ذاهباً‏.‏

ولو قال‏:‏ مررتُ برجل قائماً جاز فالنصب على هذا‏.‏

وإنما ذكرنا هذا لأن ناساً من النحويين يفرقون بين التنوين وغير التنوين ويفرقون إذا لم ينوّنوا بين العمل الثابت الذي ليس فيه علاجٌ يرونه نحو الآخذ واللازم والمخالط وما أشبهه وبين ما كان علاجاً يرونه نحو الضارب والكاسر فيجعلون هذا رفعاً على كل حال ويجعلون اللازم وما أشبهه نصباً إذا كان واقعاً ويُجرونه على الأقل إذا كان غير واقع‏.‏

وبعضهم يجعله نصباً إذا كان واقعاً ويجعله على كل حال رفعاً إذا كان غير واقع‏.‏

وهذا قول يونس والأول قول عيسى‏.‏

فإذا جعله اسماً لم يكن فيه إلا الرّفعُ على كل حال‏.‏

تقول‏:‏ مررتُ برجلٍ ملازمُه رجل أي مررت برجلٍ صاحبُ ملازَمتِه رجلٌ فصار هذا كقولك‏:‏ مررتُ برجل أخوه رجل‏.‏

وتقول على هذا الحد‏:‏ مررت برجلٍ ملازمُوه بنو فلان‏.‏

فقولك ملازموه يدلّك على أنه اسم ولو كان عملاً لقلت‏:‏ مررت برجلٍ ملازمه قومُه كأنك قلت‏:‏ مررتُ برجلٍ ملازمٍ إياه قومُه أي قد لزم إياه قومُه‏.‏

  هذا باب ما جرى من الصفات غير العمل على الاسم الأول إذا كان لشيء من سببه

وذلك قولك‏:‏ مررت برجلٍ حسَنٍ أبوه ومررتُ برجلٍ كريمٍ أخوه وما أشبه هذا نحو المسلم والصالح والشيخ والشاب‏.‏

وإنما أُجريت هذه الصفات على الأول حتى صارت كأنها له لأنك قد تضعها في موضع اسمِه فيكون منصوباً ومجروراً ومرفوعاً والنعتُ لغيره‏.‏

وذلك قولك‏:‏ مررت بالكريم أبوه ولقيتُ موسَّعاً عليه الدنيا وأتاني الحسنةُ أخلاقُه فالذي أتاك والذي أتيتَ غيرُ صاحب الصفة وقد وقع موقعَ اسمه وعمل فيه ما كان عاملاً فيه وكأنك قلت‏:‏ مررتُ بالكريم ولقيتُ موسَّعاً عليه وأتاني الحسنُ فكما جرى مجرى اسمه كذلك جرى مجرى صفته‏.‏

وهو قول العامة وذلك قولك‏:‏ مررتُ بسرجٍ خَزٌّ صُفَّتُه ومررت بصحيفةٍ طينٌ خاتَمُها ومررت برجلٍ فضّةٌ حِليةٌ سيفه‏.‏

وإنما كان الرفع في هذا أحسن من قبل أنه ليس بصفة‏.‏

لو قلت‏:‏ له خاتمٌ حديدٌ أو هذا خاتمٌ طينٌ كان قبيحاً إنما الكلام أن تقول‏:‏ هذا خاتم حديد وصُفّةُ خزّ وخاتمٌ من حديد وصفةٌ من خزّ‏.‏

فكذلك هذا وما أشبهه‏.‏

ويدلّك أيضاً على أنه ليس بمنزلة حسنٍ وكريمٍ أنك تقول‏:‏ مررت بحسَنٍ أبوه وقد مررت بالحسن أبوه فصار هذا بمنزلة اسمٍ واحد كأنك قلت‏:‏ مررتُ بحسَنٍ إذا جعلتَ الحسن للمرور به‏.‏

فمن ثمّ أيضاً قالوا‏:‏ مررتُ برجل حسنٍ أبوه ومررتُ برجل ملازمِه أبوه كأنهم قالوا‏:‏ مررت برجل حسنٍ وبرجل ملازمٍ‏.‏

ولا تقول‏:‏ مررت بخزّ صُفَّتُه ولا بطينٍ خاتَمُه لأن هذا اسم‏.‏

وقد يكون في الشعر‏:‏ هذا خاتَم طينٌ وصُفَّةٌ خَزٌّ مستكرَهاً‏.‏

فالجرّ يكون في‏:‏ مررت بصحيفة طينٍ خاتمُها على هذا الوجه‏.‏

ومن العرب من يقول‏:‏ مررت بقاعٍ عرفَجٍ كلُه يجعلونه كأنه وصفٌ‏.‏

مجرى الأسماء التي لا تكون صفة وذلك أفعلُ منه ومثلُك وأخواتُهما وحسبُك من رجلٍ وسواءٌ عليه الخيرُ والشرّ وأيُّما رجلٍ وأبو عَشَرةٍ وأبٌ لك وأخٌ لك وصاحبٌ لك وكلُ رجل وأفعلُ شيء نحو خيرُ شيء وأفضلُ شيء وأفعلُ ما يكون وأفعلُ منك‏.‏

وإنما صار هذا بمنزلة الأسماء التي لا تكون صفةً من قبَل أنها ليست بفاعلة وأنها ليست كالصفات غير الفاعلة نحو حَسَنٍ وطويل وكريم من قبل أن هذه تُفرَد وتؤنّث بالهاء كما يُؤنّث فاعلٌ ويدخلها الألف واللام وتضاف الى ما فيه الألف واللام وتكون نكرةً بمنزلة الاسم الذي يكون فاعلاً حين تقول هذا رجلٌ ملازمُ الرجل‏.‏

وذلك قولك‏:‏ هذا حسنُ الوجه‏.‏

ومع ذلك أنك تدخِل على حسَن الوجه الألف واللام فتقول‏:‏ الحسنُ الوجه كما تقول الملازم الرجل‏.‏

فحسنٌ وما أشبهه يتصرّف هذا التصرّف‏.‏

ولا تستطيع أن تُفرد شيئاً من هذه الأسماء الأُخَر لو قلت‏:‏ هذا رجلٌ خيرٌ وهذا رجلٌ أفضلُ وهذا رجلٌ أبٌ لم يستقم ولم يكن حسناً‏.‏

وكذلك أيٌّ‏.‏

لا تقول‏:‏ هذا رجلٌ أيٌّ‏.‏

فلما أضفتَهنّ وأوصلتَ إليهنّ شيئاً حَسُنّ وتممنَ به فصارت الإضافة وهذه اللواحقُ تحسّنه‏.‏

ولا تستطيع أن تدخِل الألف واللام على شيء منها كما أدخلتَ ذلك على الحسن الوجه ولا تنوّن ما تنوّن منه على حد تنوين الفاعل فتكون بالخيار في حذفه وتركه ولا تؤنّث كما تؤنّث الفاعل فلم يَقوَ قوّة الحَسَن إذا لم يُفرد إفرادَه‏.‏

فلما جاءت مضارعةً للاسم الذي لا يكون صفة البتّة إلا مستكرَهاً كان الوجهُ عندهم فيه الرفعَ إذا كان النعتُ للآخِر وذلك قولك‏:‏ مررتُ برجلٍ حسنٌ أبوه‏.‏

ومع ذلك أيضاً أن الابتداء يحسُن فيهنّ تقول‏:‏ خيرٌ منك زيدٌ وأبو عشرةٍ زيدٍ وسواءٌ عليه الخيرُ والشرّ‏.‏

ولا يحسن الابتداء في قولك‏:‏ حسنٌ زيد‏.‏

فلما جاءت مضارعةً للأسماء التي لا تكون صفةً وقَويت في الابتداء كان الوجه فيها عندهم الرفعَ إذا كان النعت للآخِر‏.‏

وذلك قولك‏:‏ مررت برجلٍ خيرٌ منه أبوه ومررتُ برجل سواءٌ عليه الخيرُ والشرّ ومررت برجل أبٌ لك صاحبُه ومررت برجل حَسبُك من رجلٍ هو ومررتُ برجل أيُّما رجل هو‏.‏

وإن قلت‏:‏ مررتُ برجلٍ حسبُك به من رجلٍ رفعلتَ أيضاً‏.‏

وزعم الخليل رحمه الله أن به ههنا منزلة هو ولكن هذه الباء دخلت ههنا توكيداً كما قال‏:‏ وكفى بالشيب والإسلام‏.‏

فإن قلت‏:‏ مررتُ برجل شديدٍ عليه الحرّ والبردُ جررتَ من قبل أن شديداً قد يكون صفةً وحدَه مستغنياً عن عليه وعن ذكر الحرّ والبرد ويدخل في جميع ما دخل الحَسنُ‏.‏

وإن قلت‏:‏ مررت برجلٍ سواءٍ في الخير والشرّ جررت لأن هذا من صفة الأول فصار كقولك‏:‏ مررتُ برجلٍ خيرٍ منك‏.‏

وإن قلت‏:‏ مررتُ برجل مُستوٍ عليه الخيرُ والشرّ جررتَ أيضاً لأنه صار عملاً بمنزلة قولك‏:‏ مررتُ برجلٍ مفضّضٍ سيفُه ومررتُ برجل مسمومٍ شرابُه ويدخله جميعُ ما يدخل الحَسنَ‏.‏

فإذا قلت سمٌّ وفضّةٌ رفعت‏.‏

وتقول‏:‏ مررت برجل سواءٌ أبوه وأمه إذا كنت تريد أنه عدلٌ وتقول‏:‏ مررت برجل سواءٌ درهمُه كأنك قلت‏:‏ مررت برجل تامٍ درهمُه‏.‏

وزعم يونس أن ناساً من العرب يجرّون هذا كما يجرّون مررتُ برجلٍ خَزٍّ صُفَّتُه‏.‏

ومما يقوّيك في رفع هذا أنك لا تقول مررتُ بخيرٍ منه أبوه ولا بسواء عليه الخير والشرّ كما تقول بحسَنٍ أبوه‏.‏

وتقول‏:‏ مررتُ برجل كلُّ ماله درهمان لا يكون فيه إلا الرفع لأن كل مبتدأ والدرهمان مبنيان عليه‏.‏

فإن أردت بقولك‏:‏ مررت برجلٍ أبي عشرةٍ أبوه جاز لأنه قد يوصف به تقول هذا مال كلُّ مالٍ‏.‏

وليس استعماله وصفاً بقوة أبي عشرةٍ ولا كثرته وليس بأبعد من مررت برجل خز صُفته ولا قاعٍ عرْفجٍ كلُّ‏.‏

ومن جواز الرفع في هذا الباب أني سمعت رجلين من العرب عربيين يقولان‏:‏ كان عبد الله حسبُك به رجلاً‏.‏

وهذا أقرب الى أن يكون فيه الإجراء على الأول إذا كان في الخزّ والفضة لأن هذا يوصَف به ولا يوصَف بالخزّ ونحوه‏.‏

  هذا باب ما يكون من الأسماء صفة منفرداً وليس بفاعل

ولا صفةٍ تشبَّه بالفاعل كالحَسن وأشباهه

وذلك قولك‏:‏ مررت بحيةٍ ذراعٌ طولُها ومررت بثوب سبعٌ طوله ومررت برجلٍ مائةٌ إبله فهذه تكون صفاتٍ كما كانت خيرٌ منك صفةً‏.‏

يدلّك على ذلك قول العرب‏:‏ أخذ بنو فلان من بني فلان إبلاً مائةً فجعلوا مائةً وصفاً‏.‏

وقال الشاعر وهو الأعشى‏:‏

لئن كنتَ في جُبّ ثمانين قامةً ** ورُقّيتَ أسبابَ السماء بسلّمِ

فاختير الرفعُ فيه لأنك لا تقول‏:‏ ذراعٌ الطول منوَّناً ولا غير منوّن‏.‏

ولا تقول مررت بذراعٍ طوله‏.‏

وبعض العرب يجرّه كما يجرّ الخزّ حين يقول‏:‏ مررت برجل خزّ صُفّته ومنهم من يجرّه وهم قليل كما تقول‏:‏ مررت برجلٍ أسد أبوه إذا كنت تريد أن تجعله شديداً ومررت برجل مثل الأسد أبوه إذا كنتَ تشبّهه‏.‏

فإن قلت‏:‏ مررت بدابّة أسدٌ أبوها فهو رفعٌ لأنك إنما تخبر أن أباها هذا السّبع‏.‏

فإن قلت‏:‏ مررتُ برجل أسدٌ أبوه على هذا المعنى رفعتَ إلا أنك لا تجعل أباه خَلقُه كخِلقة الأسد ولا صورته‏.‏

هذا لا يكون ولكنه يجيء كالمثل‏.‏

ومن قال‏:‏ مررت برجلٍ أسد أبوه قال‏:‏ مررت برجل مائةٍ إبله‏.‏

وزعم يونس أنه لم يسمعه من ثقة ولكنهم يقولون‏:‏ هو نارٌ حُمرةً لأنهم قد يبنون الأسماء على المبتدأ ولا يصفون بها فالرفعُ فيه الوجه والرفع فيه أحسنُ وإن كنتَ تريد معنى أنه مبالغٌ في الشدة لأنه ليس بوصف‏.‏

ومثل ذلك‏:‏ مررت برجلٍ رجل أبوه إذا أردتَ معنى أنه كامل‏.‏

وجرّه كجرّ الأسد‏.‏

وقد تقوله على غير هذا المعنى تقول‏:‏ مررت برجل رجلٌ أبوه تريد رجلاً واحداً لا أكثر من ذلك‏.‏

وقد يجوز على هذا الحد أن تقول‏:‏ مررت برجل حسنٌ أبوه‏.‏

وهو فيه أبعد لأنه صفة مشبهة بالفاعل‏.‏

وإن وصفته فقلت‏:‏ مررت برجل حسنٌ ظريفٌ أبوه فالرفع فيه الوجه والحد والجرّ فيه قبيح لأنه يفصل بوصف بينه وبين العامل‏.‏

ألا ترى أنك لو قلت مررتُ بضاربٍ ظريفٍ زيداً وهذا ضاربٌ عاقلٌ أباه كان قبيحاً لأنه وصفه فجعل حاله كحال الأسماء لأنك إنما تبتدئ بالاسم ثم تصفه‏.‏

فإن قلت‏:‏ مررت برجل شديدٌ رجلٌ أبوه فهو رفع لأن هذا وإن كان صفةً فقد جعلته في هذا الموضع اسماً بمنزلة أبي عشرة أبوه يقبح فيه ما يقبح في أبي عشرة‏.‏

ومن قال‏:‏ مررت برجلٍ أبي عشرة أبوه قال‏:‏ مررت برجل شديد رجلٍ أبوه‏.‏

وإذا قال‏:‏ مررت برجل حسنٍ الوجه أبوه فليس بمنزلة أبي عشرةٍ أبوه لأن قولك‏:‏ حسن الوجه أبوه بمنزلة قولك مررت برجل حسنٍ الوجه فصار هذا بدخول التنوين يشبه ضارباً إذا قلت‏:‏ مررتُ برجل ضاربٍ أباه‏.‏

وأبو عشرة لا يدخله التنوين ولا يجري مجرى الفعل ولكنك ألقيتَ التنوين استخفافاً فصار بمنزلة قولك‏:‏ مررت برجلٍ ملازم أباه رجلٌ ومررتُ برجل ملازم أبيه رجلٌ إذا أردتَ معنى التنوين فكأنك قلت‏:‏ مررتُ برجلٍ حسن أبوه‏.‏

وتقول‏:‏ مررتُ برجل حسن الوجه أبوه كما تقول‏:‏ مررت بالرجل الحسن الوجه أبوه وكما تقول‏:‏ مررتُ بالرجل الملازمِه أبوه‏.‏

فصار حسنُ الوجه بمنزلة حسن ومُلازمٌ أباه بمنزلة ملازمٍ‏.‏

وليس هذا بمنزلة أبي عشرة وخير منك‏.‏

ألا ترى أنك لا تقول‏:‏ مررتُ بخير منه أبوه ولا بأبي عشرة وأما قوله‏:‏ مررت برجلٍ سواءٍ والعدمُ فهو قبيح حتى تقول‏:‏ هو والعدمُ لأن في سواء اسماً مضمَراً مرفوعاً كما تقول مررتُ بقوم عربٍ أجمعون فارتفع أجمعون على مضمر في عربٍ بالنية‏.‏

فهي هنا معطوفة على المضمر وليست بمنزلة أبي عشرة‏.‏

فإن تكلّمتَ به على قبحه رفعتَ العدمَ وإن جعلته مبتدأ رفعتَ سواءً‏.‏

وتقول‏:‏ ما رأيت رجلاً أبغضَ إليه الشرّ منه إليه وما رأيت أحداً أحسنَ في عينه الكُحل منه في عينه‏.‏

وليس هذا بمنزلة خيرٌ منه أبوه لأنه مفضّل للأب على الاسم في مِن وأنت في قولك‏:‏ أحسن في عينه الكحلُ منه في عينه لا تريد أن تفضّل الكحل على الاسم الذي في من ولا تزعم أنه قد نقص عن أن يكون مثله ولكنك زعمت أن للكحل ههنا عملاً وهيئةً ليست له في غيره من المواضع فكأنك قلت‏:‏ ما رأيت رجلاً عاملاً في عينه الكحل كعمله في عين زيد وما رأيت رجلاً مبغضاً إليه الشرُّ كما بُغِّض إلى زيد‏.‏

ويدلّك على أنه ليس بمنزلة خيرٌ منه أبوه أن الهاء التي تكون في مِن هي الكحلُ والشرّ كما أن الإضمار الذي في عمله وبُغّض هو الكحل والشرّ‏.‏

ومما يدلّك على أنه على أوّله ينبغي أن يكون أن الابتداء فيه مُحال‏:‏ أنك لو قلت‏:‏ أبغضُ إليه منه الشرُّ لم يجز ولو قلت‏:‏ خيرٌ منه أبوه جاز‏.‏

وإن شئت قلت‏:‏ ما رأيت أحداً أحسن في عينه الكحل منه وما رأيت رجلاً أبغضَ إليه الشرّ منه وما من أيامٍ أحبَّ الى الله فيها الصومُ من عشر ذي الحجة فإنما المعنى الأول إلا أن الهاء هنا الاسم الأول ولا تخبر أنك فضّلت الكحلَ عليه ولا أنك فضّلت الصوم على الأيام ولكنك فضّلت بعضَ الأيام على بعضٍ‏.‏

والهاء في الأول هو الكحل وإنما فضلته في هذا الموضع على نفسه في غير هذا الموضع ولم ترد أن تجعله خيراً من نفسه البتّة‏.‏

قال الشاعر وهو سُحيمُ بن وَثيل‏:‏ مررتُ على وادي السّباع ولا أرى كوادي السباع حين يُظلمُ واديا أقلَّ به ركْبٌ أتَوْه تَئيّةً وأخوفَ إلا ما وَقى الله ساريا وإنما أراد‏:‏ أقلَّ به الرّكبُ تَئيّةً منهم به ولكنه حذف ذلك استخفافاً كما تقول‏:‏ أنت أفضل ولا تقول من أحد‏.‏

وكما تقول‏:‏ الله أكبر ومعناه الله أكبر من كل شيء‏.‏

وكما تقول‏:‏ لا مالَ ولا تقول لك وما يشبهه‏.‏

ومثل هذا كثيرٌ‏.‏

واعلم أن الرفع والنصبَ تجري الأسماء ونعتُ ما كان من سببها ونعتُ ما التبس بها وما التبس بشيء من سببها فيهما مجراهنّ في الجرّ‏.‏

واعلم أن ما جرى نعتاً على النكرة فإنه منصوب في المعرفة لأن ما يكون نعتاً من اسم النكرة يصير خبراً للمعرفة لأنه ليس من اسمه‏.‏

وذلك قولك‏:‏ مررتُ بزيد حسناً أبوه ومررتُ بعبد الله ملازمك‏.‏

واعلم أن ما كان في النكرة رفعاً غير صفة فإنه رفعٌ في المعرفة‏.‏

من ذلك قوله جلّ وعزّ‏:‏ ‏"‏ أم حَسِبَ الذين اجتَرحوا السّيّئاتِ أن تجعلَهُم كالذين آمنوا وعملوا الصّالحات سَواءٌ مَحياهُم ومَماتُهُم ‏"‏‏.‏

وتقول‏:‏ مررت بعبد الله خيرٌ منه أبوه‏.‏

فكذلك هذا وما أشبهه‏.‏

ومن أجرى هذا على الأول فإنه ينبغي له أن ينصبه في المعرفة فيقول‏:‏ مررتُ بعبد الله خيراً منه أبوه‏.‏

وهي لغةٌ رديئة‏.‏

وليست بمنزلة العمل نحو ضارب وملازم وما ضارعه نحو حَسن الوجه‏.‏

ألا ترى أن هذا عملٌ يجوز فيه يَضربُ ويلازم وضربَ ولازَمَ‏.‏

ولو قلت‏:‏ مررت بخيرٍ منه أبوه كان قبيحاً وكذلك بأبي عشرة أبوه‏.‏

ولكنه حين خلَص للأول جرى عليه كأنك قلت‏:‏ مررتُ برجلٍ خيرٍ منك‏.‏

ومن قال‏:‏ مررتُ برجلٍ أبي عشرةٍ أبوه فشبّه بقوله‏:‏ مررتُ برجل حسنٍ أبوه‏.‏

فهو ينبغي له أن يقول‏:‏ مررتُ بعبد الله أبي العشرة أبوه كما قال‏:‏ مررتُ بزيدٍ الحسنِ أبوه‏.‏

ومن قال‏:‏ مررتُ بزيدٍ أخوه عمرٌو لم يكن فيه إلا الرفع لأن هذا اسمٌ معروف بعينه فصار بمنزلة قولك‏:‏ مررتُ بزيدٍ عمرٌو أبوه ولو أن العشرة كانوا قوماً بأعيانهم قد عرفهم المخاطَب لم يكن فيه إلا الرفع لأنك لو قلت‏:‏ مررتُ بأخيه أبوك كان مُحالاً أن ترفع الأبَ بالأخ وهي في مررتُ بأبي عشرة أبوه وبأبي العشرة أبوه إذا لم يكن شيئاً بعينه تجوز على استكراهٍ‏.‏

فإن جعلتَ الأخَ صفةً للأول جرى عليه كأنك قلت‏:‏ مررتُ بأخيك فصار الشيء بعينه نحو زيد وعمرو وضارع أبو عشرة حَسنٌ حين ولم يكن شيئاً بعينه قد عرفه كمعرفتك على ضعفه واستكراهه‏.‏

واعلم أن كل شيء من العمل وما أشبهه نحو حسن وكريم إذا أدخلتَ فيه الألفَ واللام جرى على المعرفة كمجراه على النكرة حين كان نكرةً كقولك‏:‏ مررت بزيد الحَسن أبوه ومررتُ بأخيك الضاربِهِ عمرو‏.‏

واعلم أن العرب يقولون‏:‏ قومٌ مَعْلُوجاء وقومٌ مَشيخةٌ وقوم مَشيوخاء يجعلونه صفةً بمنزلة شيوخ وعُلوج‏.‏

  هذا باب ما جرى من الأسماء التي من الأفعال وما أشبهها مجرى الفعل

إذا أظهرتَ بعده الأسماء أو أضمرتَها

وذلك قولك‏:‏ مررتُ برجلٍ حسنٍ أبواه وأحسنٌ أبَواه وأخارجٌ قومُك‏.‏

فصار هذا منزلة قال أبواك وقال قومُك على حدّ من قال‏:‏ قومك حسنون إذا أخّروا فيصير هذا بمنزلة أذاهبٌ أبواك وأمنطلِقٌ قومُك‏.‏

فإن بدأتَ بالاسم قبل الصفة قلت‏:‏ قومُك منطلقون وقومك حسنون كما تقول أبواك قالا ذاك وقومك قالوا ذاك‏.‏

فإن بدأتَ بنعتٍ مؤنّث فهو يجري مجرى المذكّر إلا أنك تُدخِل الهاء وذلك قولك‏:‏ أذاهبةٌ جاريتاك وأكريمةٌ نساؤكم‏.‏

فصارت الهاء في الأسماء بمنزلة التاء في الفعل إذا قلت‏:‏ قالت نساؤكم وذهبتْ جاريتاك‏.‏

وإنما قلت‏:‏ أكريمةٌ نساؤكم على قول من قال‏:‏ أنساؤكم كريمات إذا أخّر الصفة‏.‏

والألفُ والتاء والواو والياء والنون في الجميع والألفُ والنون في التثنية بمنزلة الواو والألف في قالا وقالوا وبمنزلة الواو والنون في يقولون‏.‏

وكذلك‏:‏ أقُرَشيٌّ قومُك وأقرشيّ أبواك إذا أردت الصفة جرى مجرى حسن وكريم‏.‏

وإنما قالت العرب‏:‏ قال قومُك وقال أبواك لأنهم اكتفوا بما أظهروا عن أن يقولوا قالا أبواك وقالوا قال الشاعر‏:‏ أليسَ أكرمَ خلقِ الله قد علِموا عند الحفاظ بَنو عمرو بنِ حُنجودِ صار ليس ههنا بمنزلة ضرب قومَك بنو فلان لأن ليس فعلٌ فإذا بدأتَ بالاسم قلت‏:‏ قومُك قالوا ذاك وأبواك قد ذهبا لأنه قد وقع ههنا إضمارٌ في الفعل وهو أسماؤهم فلابد للمضمَر أن يجيء بمنزلة المظهر‏.‏

وحين قلت‏:‏ ذهب قومُك لم يكن في ذهب إضمار‏.‏

وكذلك قالت جاريتاك وجاءت نساؤك‏.‏

إلا أنهم أدخلوا التاء ليفصلوا بين التأنيث والتذكير وحذفوا الألف والنون لمّا بدءوا بالفعل في تثنية المؤنث وجمعه كما حذفوا ذلك في التذكير‏.‏

فإن بدأتَ بالاسم قلت‏:‏ نساؤك قُلنَ ذاك كما قلت‏:‏ قومُك قالوا ذاك‏.‏

وتقول‏:‏ جاريتاك قالتا كما تقول‏:‏ أبواك قالا لأن في قُلن وقالتا إضماراً كما كان في قالا وقالوا‏.‏

وإذا قلت‏:‏ ذهبتْ جاريتاك أو جاءتْ نساؤك فليس في الفعل إضمارٌ ففصلوا بينهما في التأنيث والتذكير ولم يفصلوا بينهما في التثنية والجمع‏.‏

وإنما جاءوا بالتاء للتأنيث لأنها ليست علامةَ إصمار كالواو والألف وإنما هي كهاء التأنيث في طَلْحة وليست باسم‏.‏

وقال بعض العرب‏:‏ قال فُلانةُ‏.‏

وكلما طال الكلام فهو أحسنُ نحو قولك‏:‏ حضر القاضي امرأةٌ لأنه إذا طال الكلام كان الحذف أجمل وكأنه شيءٌ يصير بدلاً من شيء كالمعاقبة نحو قولك‏:‏ زنادقة وزناديق فتحذف الياء لمكان الهاء وكما قالوا في مُغتَلِم‏:‏ مُغَيلِم ومُغَيليم وكأن الياء صارت بدلاً مما حذفوا‏.‏

وإنما حذفوا التاء لأنهم صار عندهم إظهار المؤنث يكفيهم عن ذكرهم التاء كما كفاهم الجميعُ والإثنان حين أظهروهم عن الواو والألف‏.‏

وهذا في الواحد من الحيوان قليل وهو في المَوات كثير فرقوا بين المَوات والحيوان كما فرقوا بين الآدميين وغيرهم‏.‏

تقول‏:‏ هم ذاهبون وهم في الدار ولا تقول‏:‏ جمالُك ذاهبون ولا تقول‏:‏ هم في الدار وأنت تعني الجِمال ولكنك تقول‏:‏ هي وهنّ ذاهبة وذاهبات‏.‏

ومما جاء في القرآن من المَوات قد حُذفت فيه التاء قوله عزّ وجلّ‏:‏ ‏"‏ فمنْ جاءهُ موعظةٌ من ربّه فانتهى ‏"‏ وقوله‏:‏ ‏"‏ مِن بعدِ ما جاءهُم البَيّناتُ ‏"‏‏.‏

وهذا النحو كثيرٌ في القرآن وهو في الواحدة إذا كانت من الآدميين أقل منه في سائر الحيوان‏.‏

ألا ترى أن لهم في الجميع حالاً ليست لغيرهم لأنهم الأوّلون وأنهم قد فُضِّلوا بما لم يفضَّل به غيرهم من العقل والعلم‏.‏

وأما الجميع من الحيوان الذي يكسّر عليه الواحد فبمنزلة الجميع من غيره الذي يكسَّر عليه الواحد في أنه مؤنّث‏.‏

ألا ترى أنك تقول‏:‏ هو رجلٌ وتقول‏:‏ هي الرجال فيجوز لك‏.‏

وتقول‏:‏ هم جملٌ وهي الجِمال وهو عَيْرٌ وهي الأعيار فجرت هذه كلها مجرى هي الجُذوع‏.‏

وما أشبه ذلك يُجرى هذا المجرى لأن الجميع يؤنّث وإن كان كلُّ واحد منه مذكّراً من الحيوان‏.‏

فلما كان كذلك صيّروه بمنزلة المَوات لأنه قد خرج من الأول الأمكن حيث أردت الجميع‏.‏

فلما كان ذلك احتملوا أن يُجروه مُجرى الجميع المَوات قالوا‏:‏ جاء جواريك وجاء نساؤك وجاء بناتُك‏.‏

وقالوا فيما لم يكسَّر عليه الواحد لأنه في معنى الجمع كما قالوا في هذا كما قال الله تعالى جده‏:‏ ‏"‏ ومنهم مَن يستمعون إليكَ ‏"‏ إذ كان في معنى الجميع وذلك قوله تعالى‏:‏ ‏"‏ وقال نسوةٌ في المدينة ‏"‏‏.‏

واعلم أن من العرب من يقول‏:‏ ضربوني قومُك وضرباني أخواك فشبّهوا هذا بالتاء التي يُظهرونها في قالت فُلانة وكأنهم أرادوا أن يجعلوا للجمع علامةً كما جعلوا للمؤنّث وهي قليلة‏.‏

قال الشاعر‏:‏ وهو الفرزدق‏:‏ ولكنْ دِيافيٌّ أبوه وأمُّه بحَورانَ يعصِرنَ السّليطَ أقاربُهْ وأما قوله جلّ ثناؤه‏:‏ ‏"‏ وأسَرّوا النّجوى الذين ظلموا ‏"‏ فإنما يجيء على البدل وكأنه قال‏:‏ انطلقوا فقيل له‏:‏ مَن فقال‏:‏ بنو فلان‏.‏

فقوله جلّ وعزّ‏:‏ ‏"‏ وأسَرّوا النجوى الذين ظلموا ‏"‏ على هذا فيما زعم يونس‏.‏

وقال الخليل رحمه الله تعالى‏:‏ فعلى هذا المثال تجري هذه الصفات‏.‏

وكذلك شابٌّ وشيخٌ وكهلٌ إذا أردتَ شابّينَ وشيخينَ وكهلينَ‏.‏

تقول‏:‏ مررتُ برجلٍ كهلٍ أصحابه ومررتُ برجلٍ شابٍّ أبواه‏.‏

قال الخليل رحمه الله‏:‏ فإن ثنّيتَ أو جمعتَ فإن الأحسن أن تقول‏:‏ مررتُ برجلٍ قُرَشيان أبواه ومررتُ برجلٍ كهلون أصحابه تجعله اسماً بمنزلة قولك‏:‏ مررت برجلٍ خزٌّ صُفّته‏.‏

وقال الخليل رحمه الله‏:‏ من قال أكلوني البراغيث أجرى هذا على أوله فقال‏:‏ مررت برجل حَسنيْن أبواه ومررتُ بقومٍ قُرَشيّينَ آباؤهم‏.‏

وكذلك أفعل نحو أعورَ وأحمر تقول‏:‏ مررت برجل أعورَ أبواه وأحمرَ أبواه‏.‏

فإن ثنّيت قلت‏:‏ مررتُ برجلٍ أحمران أبواه تجعله اسماً‏.‏

ومن قال أكلوني البراغيث قلت على حدّ قوله‏:‏ مررتُ برجلٍ أعورَيْن أبواه‏.‏

وتقول‏:‏ مررت برجل أعورَ آباؤه كأنك تكلّمت به على حدّ أعورِينَ وإن لم يُتكلّم به كما توهّموا في هَلكى وموتى ومرضى أنه فُعل بهم فجاءوا به على مثال جَرحى وقتلى ولا يقال هُلِك ولا مُرض ولا مُوِت‏.‏

قال الشاعر وهو النابغة الجعدي‏:‏ ولا يشعر الرّمحُ الأصمُّ كُعوبُه بثروةِ رهطِ الأعيَطِ المتظلِّمِ وأحسنُ من هذا أعورٌ قومُك ومررتُ برجلٍ صُمٍّ قومُه‏.‏

وتقول‏:‏ مررت برجلٍ حسانٍ قومُه وليس يجري هذا مجرى الفعل إنما يجري مجرى الفعل ما دخله الألفُ والنون والواو والنون في التثنية والجمع ولم يغيّره نحو قولك‏:‏ حسنٌ وحسنان فالتثنية لم تغيّر بناءَه‏.‏

وتقول‏:‏ حسنون فالواو والنون لم تغيّر الواحدَ فصار هذا بمنزلة قالا وقالوا لأن الألف والواو لم تغيّر فعلَ‏.‏

وأما حِسانٌ وعُورٌ فإنه اسمٌ كُسّر عليه الواحد فجاء مبنياً على مثالٍ كبناء الواحد وخرج من بناء الواحد الى بناء آخر لا تلحقه في آخره زيادة كالزيادة التي لحقت في قُرشيّ في الاثنين والجميع‏.‏

فهذا الجميع له بناءٌ بُني عليه كما بُني الواحد على مثاله فأُجرى مجرى الواحد‏.‏

ومما يدلّك على أن هذا الجميع ليس كالفعل أنه ليس شيءٌ من الفعل إذا كان للجميع يجيء مبنياً على غير بنائه إذا كان للواحد فمن ثم صار حِسانٌ وما أشبهه بمنزلة الاسم الواحد نحو مررتُ برجلٍ جُنُبٍ أصحابُه ومررت برجل صَرورةٍ قومُه‏.‏

فاللفظُ واحدٌ والمعنى جميعٌ‏.‏

واعلم أن ما كان يُجمع بغير الواو والنون نحو حَسَنٍ وحِسان فإن الأجود فيه أن تقول‏:‏ مررتُ برجلٍ حِسان قومُه‏.‏

وما كان يُجمع بالواو والنون نحو منطلِق ومنطلقين فإن الأجود فيه أن يُجعل بمنزلة الفعل المتقدّم فتقول‏:‏ مررتُ برجلٍ منطلِق قومُه‏.‏

واعلم أنه من قال ذهبَ نساؤك قال‏:‏ أذاهبٌ نساؤك‏.‏

ومن قال‏:‏ ‏"‏ فمَنْ جاءهُ موعظةٌ من ربّه ‏"‏ وكان أبو عمرو يقرأ‏:‏ ‏"‏ خاشعاً أباصرُهُم ‏"‏‏.‏

قال الشاعر وهو أبو ذؤيب الهُذَليّ‏:‏ بعيدُ الغَزاة فما إن يَزا لُ مُضطَمراً طُرّتاه طَليحا وقال الفرزدق‏:‏ وكُنا وَرثناه على عهدِ تُبّعٍ طويلاً سَواريه شديداً دعائمُهْ وقال الفرزدق أيضاً‏:‏ قَرَنْبى يَحكّ قفا مُقرِفٍ لئيمٍ مآثرُه قُعدُدِ وقال آخر وهو أبو زبيد الطائي‏:‏ مُستَحِنٌّ بها الرياحُ فما يَجْ تابُها في الظلام كلُّ هَجودِ وقال آخر من بني أسد‏:‏ فلاقى ابنَ أنثى يبتغي مثلَ ما ابتغى من القوم مَسقيَّ السِّمام حدائدُهْ وقال آخر الكُميت بن معروف‏:‏ ومازِلت مَحمولاً عليَّ ضغينةٌ ومُضطَلِعَ الأضغان مُذ أنا يافعُ وهذا في الشعر أكثر من أن أحصيه لك‏.‏

ومن قال ذهب فلانةُ قال‏:‏ أذاهبٌ فلانةُ وأحاضرٌ القاضيَ امرأةٌ‏.‏

وقد يجوز في الشعر موعظةٌ جاءنا كأنه اكتفى بذكر الموعظة عن التاء‏.‏

وقال فإما ترَيْ لِمّتي بُدِّلَتْ فإنّ الحوادث أودى بها وقال الآخر وهو عامرُ بن جُوَين الطائي‏:‏ فلا مُزنةٌ وَدَقَتْ وَدْقَها ولا أرضَ أبقَلَ إبقالَها وقال الآخر وهو طُفَيلٌ الغَنَويّ‏:‏ إذ هي أحْوى من الرِّبعيّ حاجبُهُ والعينُ بالإثمِدِ الحاريّ مَكحولُ وزعم الخليل رحمه الله أن ‏"‏ السماء منفطِرٌ به ‏"‏ كقولك‏:‏ معضِّلٌ للقَطاة‏.‏

وكقولك‏:‏ مُرضِعٌ للتي بها الرِّضاعُ‏.‏

وأما المنفطرة فيجيء على العمل كقولك منشقّةٌ وكقولك مرضعة للتي ترضع‏.‏

وأما ‏"‏ كُلٌّ في فَلَك يسبحون ‏"‏ و ‏"‏ رأيتُهُم لي ساجدين ‏"‏ و ‏"‏ يا أيها النّملُ ادخُلوا مساكنكم ‏"‏ فزعم أنه بمنزلة ما يعقل ويسمع لما ذكرهم بالسّجود وصار النمل بتلك المنزلة حين حدّثتَ عنه كما تحدّث عن الأناسيّ‏.‏

وكذلك ‏"‏ في فلك يسبحون ‏"‏ لأنها جُعلت - في طاعتها وفي أنه لا ينبغي لأحد أن يقول‏:‏ مُطرنا بنَوْء كذا ولا ينبغي لأحد أن يعبد شيئاً منها - بمنزلة من يَعقل من المخلوقين ويُبصر الأمور‏.‏

قال النابغة الجعديّ‏:‏ شَربتُ بها والدّيكُ يدعو صَباحهُ إذا ما بنو نعشٍ دَنوْا فتصوّبوا فجاز هذا حيث صارت هذه الأشياء عندهم تُؤمَر وتُطيع وتفهم الكلام وتعبد بمنزلة الآدميين‏.‏

وسألتُ الخليل رحمه الله عن‏:‏ ما أحسنَ وجوهَهما فقال‏:‏ لأن الإثنين جميعٌ وهذا بمنزلة قول الإثنين‏:‏ نحن فعلنا ذاك ولكنهم أرادوا أن يفرقوا بين ما يكون منفرداً وبين ما يكون شيئاً من شيء‏.‏

وقد جعلوا المفردين أيضاً جميعاً قال الله جلّ ثناؤه‏:‏ ‏"‏ وهل أتاكَ نبأ الخصمِ إذ تسوّروا المِحرابَ‏.‏

إذ دخلوا على داودَ ففزِعَ منهم قالوا لا تخَفْ خَصمانِ بَغى بعضُنا على بعض ‏"‏‏.‏

وقد يثنّون ما يكون بعضاً لشيء‏.‏

زعم يونس أن رؤية كان يقول‏:‏ ما أحسنَ رأسيهما‏.‏

قال الراجز وهو خِطام‏:‏ ظهراهما مثلُ ظهورِ التُّرسَين وقالوا‏:‏ وضعا رِحالَهما يريد‏:‏ رحلَيْ راحلتين‏.‏

وحدُّ الكلام أن يقول‏:‏ وضعتُ رحلي الراحلتين فأجرَوه مجرى شيئين من شيئين‏.‏

  باب إجراء الصفة فيه على الاسم

في بعض المواضع أحسن وقد يستوي فيه إجراء الصفة على الاسم وأن تجعله خبراً فتنصبه فأما ما استويا فيه فقوله‏:‏ مررتُ برجلٍ معه صقرٌ صائدٍ به إن جعلته وصفاً‏.‏

وإن لم تحمله على الرجل وحملتَه على الاسم المضمَر المعروف نصبتَه فقلت‏:‏ مررتُ برجلٍ معه صقرٌ صائداً به كأنه قال‏:‏ معه بازٌ صائداً به حين لم يرد أن يحمله على الأول‏.‏

وكما تقول‏:‏ أتيتُ على رجلٍ ومررتُ به قائم إن حملتَه على الرجل وإن حملته على مررت به نصبته كأنك قلت‏:‏ مررتُ به قائماً‏.‏

ومثله‏:‏ نحن قومٌ ننطلق عامدون الى بلد كذا إن جعلتَه وصفاً‏.‏

وإن لم تجعله وصفاً نصبتَ كأنه قال‏:‏ نحن ننطلق عامدين‏.‏

ومنه‏:‏ مررتُ برجلٍ معه بازٌ قابضٍ على آخَر ومررت برجلٍ معه جُبّةٌ لابسٍ غيرَها‏.‏

وإن حملتَه على الإضمار الذي معه نصبتَ‏.‏

وكذلك مررت برجلٍ عنده صقرٌ صائدٍ ببازٍ‏.‏

إن حملتَه على الوصف فهو هكذا‏.‏

وإن حملتَه على ما في عنده من الإضمار نصبت كأنك قلت‏:‏ عنده صقر صائداً ببازٍ‏.‏

وكذلك‏:‏ مررت برجلٍ معه الفرسُ راكب بِرذَوْناً إن لم ترد الصفة نصبتَ كأنك قلت‏:‏ معه الفرسُ راكباً برذوناً‏.‏

فهذا لا يكون فيه وصفٌ ولا يكون إلا خبراً‏.‏

ولو كان هذا على القلب كما يقول النحويون لفَسَدَ كلامٌ كثير ولكان الوجه‏:‏ مررتُ برجل جميلِه حسنِ الوجه‏.‏

ولقال مررتُ بعبد الله معه بازك الصائدَ به فتنصب‏.‏

فهذا لا يكون فيه إلا الوصف لأنه لا يجوز أن تجعل المعرفة حالاً يقع فيه شيء‏.‏

ولم تقل جميلَه لأنك لم ترد أن تقول إنه حسنُ الوجه في هذه الحال ولا أنه حسنٌ وجهه جميلاً أي في هذه الحال حسنَ وجهه‏.‏

فلم يرد هذا المعنى ولكنه أراد أن يقول‏:‏ هذا رجلٌ جميلُ الوجه كما يقال‏.‏

هذا رجلٌ حسنُ الوجه‏.‏

فهذا الغالب في كلام الناس‏.‏

وإن أردتَ الوجه الآخرَ فنصبت فهو جائزٌ لا بأس به وإن كان ليس له قوّة الوصف في هذا‏.‏

فهذا الذي الوصفُ فيه أحسنُ وأقوى‏.‏

ومثله في أن الوصف أحسن‏:‏ هذا رجلٌ عاقلٌ لبيب لم يجعل الآخرَ حالاً وقع فيه الأول ولكنه أثنى عليه وجعلهما شرعاً سواء وسوّى بينهما في الإجراء على الاسم‏.‏

والنصبُ فيه جائز على ما ذكرت لك‏.‏

وإنما ضَعُفَ لأنه لم يرد أن الأول وقع وهو في هذه الحال ولكنه أراد أنهما فيه ثابتان لم يكن واحدٌ منهما قبل صاحبه كما تقول‏:‏ هذا رجلٌ سائرٌ راكباً دابةً‏.‏

وقد يجوز في سعة الكلام على هذا ولا ينقُض المعنى في أنهما شَرْعٌ سواء فيه‏.‏

وسترى هذا النحو في كلامهم‏.‏

فأما القلب فباطلٌ‏.‏

لو كان ذلك لكان الحدُّ والوجه في قوله‏:‏ مررتُ بامرأة آخذةٍ عبدَها فضاربته النصبَ لأن القلب لا يصلح ولقلت‏:‏ مررت برجلٍ عاقلةٍ أمُّه لبيبةً لأنه لا يصلح أن تقدّم لبيبةً فتضمر فيها الأمَّ ثم تقول عاقلةٍ أمُّه‏.‏

وسمعناهم يقولون‏:‏ هذه شاةٌ ذات حَملٍ مُثقلةٌ‏.‏

وقال الشاعر وهو حسان بن ثابت‏:‏ ظننتم بأن يَخفى الذي قد صنعتُمُ وفينا نبيٌّ عنده الوحي واضِعُهْ ومما يُبطِل القلبَ قوله‏:‏ زيدٌ أخو عبد الله مجنون به إذا جعلتَ الأخ صفةً والجنون من زيدٍ بأخيه لأنه لا يستقيم زيدٌ مجنون به أخو عبد الله‏.‏

وتقول‏:‏ مررت برجل معه كيسٌ مختوم عليه الرفع الوجهُ لأنه صفة الكيس‏.‏

والنصب جائز على قوله‏:‏ فيها رجلٌ قائماً وهذا رجلٌ ذاهباً‏.‏

واعلم أنك إذا نصبتَ في هذا الباب فقلت‏:‏ مررتُ برجلٍ معه صقرٌ صائداً به غداً فالنصبُ على حاله لأن هذا ليس بابتداء ولا يُشبه‏:‏ فيها عبدُ الله قائمٌ غداً لأن الظروف تُلغى حتى يكون المتكلم كأنه لم يذكرها في هذا الموضع فإذا صار الاسم مجروراً أو عاملاً فيه فعلٌ أو مبتدأ لم تُلغِه لأنه ليس يرفعه الابتداء وفي الظروف إذا قلت‏:‏ فيها أخواك قائمان يرفعه الابتداء‏.‏

وتقول‏:‏ مررتُ برجلٍ معه امرأةٌ ضاربتُه فهذا بمنزلة قوله‏:‏ معه كيسٌ مختومٌ عليه‏.‏

فإن قلت‏:‏ مررت برجل معه امرأةٌ ضاربِها جررتَ ونصبت على ما فسّرتُ لك‏.‏

وإن شئت قلت ضاربَها هو فنصبت وإن شئت جررتَ ويكون هو وصفَ المضمَر في ضاربها حتى يكون كأنك لم تذكرها‏.‏

وإن شئت جعلتَ هو منفصلاً فيصير بمنزلة اسمٍ ليس من علامات المضمَر‏.‏

وتقول‏:‏ مررتُ برجل معه امرأةٌ ضاربُها هو فكأنك قلت‏:‏ معه امرأةٌ ضاربُها زيدٌ‏.‏

ومثل قولك ضاربُها هو قوله‏:‏ مررتُ برجل معه امرأة ضاربُها أبوه إذا جعلتَ الأب مثل زيد فإن لم تُنزل هو والأبَ منزلة زيد وما ليس من سببه ولم يلتبس به قلت‏:‏ مررتُ برجل معه امرأةٌ ضاربِها أبوه أو هو‏.‏

وإن شئت نصبت تُجرى الصفة على الرجل ولا تُجريها على المرأة كأنك قلت‏:‏ ضاربِها وضاربَها وخصَصتَه بالفعل فيجري مجرى مررتُ برجلٍ ضاربِها أبوه ومررت بزيد ضاربَها أخوه‏.‏

ولا يجوز هذا في زيد كما أنه لا يجوز مررتُ برجلٍ ضاربِها زيدٌ ولا مررتُ بعبد الله ضاربَها خالدٌ وكما كان لم يجز يا ذا الجاريةِ الواطئَها زيدٌ فتحملَه على النّداء‏.‏

ولكن الجرّ جيد ألا ترى أنك لو قلت‏:‏ مررتُ بالذي وطئها أبوه جاز ولو قلت بالذي وطئها زيد لم يكن‏.‏

فإن قلت‏:‏ يا ذا الجارية الواطئِها أبوه جررتَ كما تجرّ في زيد حين قلت‏:‏ يا ذا الجارية الواطئِها زيد‏.‏

وتقول‏:‏ يا ذا الجارية الواطئَها أبوه تجعل الواطئَها من صفة المنادى ولا يجوز أن تقول‏:‏ يا ذا الجارية الواطئَها زيد من قبل أن الواطئَها من صفة المنادى فلا يجوز كما لا يجوز أن تقول‏:‏ مررتُ بالرجل الحَسن زيدٌ وقد يجوز أن تقول بالحَسن أبوه‏.‏

وكذلك إن قلت‏:‏ يا ذا الجارية الواطئِها هو وجعلت هو منفصلاً‏.‏

وإن شئت نصبتَه كما تقول‏:‏ يا ذا الجارية الواطئَها فتُجريه على المنادى ولا تُجريه على الجارية‏.‏

وإن قلت‏:‏ يا ذا الجارية الواطئِها وأن تريد الواطئِها هو لم يجز كما لا يجوز مررتُ بالجارية الواطئِها تريد هو أو أنت كما لا يجوز هذا وأنت تريد الأبَ أو زيداً‏.‏

وليس هذا كقولك‏:‏ مررتُ بالجارية التي وطئَها زيد أو التي وطئَها لأن الفعل يضمَر فيه وتقع فيه علامة الإضمار والاسم لا تقع فيه علامةُ الإضمار فلو جاز ذلك لجاز أن يوصَف ذلك المضمَر بهو فإنما يقع في هذا إضمار الاسم رفعاً إذا لم يوصف به شيء غيرُ الأول وذلك قولك يا ذا الجارية الواطئَها ففي هذا إضمار هو وهو اسمُ المنادى والصفة إنما هي للأول المنادى‏.‏

ولو جاز هذا لجاز مررتُ بالرجل الآخِذِ به تريد أنت ولجاز مررتُ بجاريتك راضياً عنها تريد أنت‏.‏

ولو قلت مررت بجاريةٍ رضيت عنها ومررت بجاريتك راضياً عنها أو مررتُ بجاريتك قد رضيتَ عنها كان جيداً لأنك تضمِر في الفعل وتكون فيه علامة الإضمار ولا يكون ذلك في الاسم إلا أن تضمِر اسمَ الذي هو وصفه ولا يوصف به شيء غيره مما يكون من سببه ويلتبس به‏.‏

وأما رُبَّ رجلٍ وأخيه منطلقَين ففيها قبحٌ حتى تقول‏:‏ وأخٍ له‏.‏

والمنطلقان عندنا مجروران من قبل أن قوله وأخيه في موضع نكرة لأن المعنى إنما هو وأخٍ له‏.‏

فإن قيل‏:‏ أمضافة الى معرفة أو نكرة فإنك قائلا الى معرفة ولكنها أجريت مُجرى النكرة كما أن مثلك مضافة الى معرفة وهي توصف بها النكرة وتقع مواقعَها‏.‏

ألا ترى أنك تقول ربّ مثلِك‏.‏

ويدلّك على أنها نكرة أنه لا يجوز لك أن تقول‏:‏ ربّ رجلٍ وزيدٍ ولا يجوز لك أن تقول‏:‏ ربّ أخيه حتى تكون قد ذكرت قبل ذلك نكرة‏.‏

ومثل ذلك قول بعض العرب‏:‏ ‏"‏ كل شاةٍ وسَخلتِها ‏"‏ أي وسخلةٍ لها ولا يجوز حتى تذكر قبله نكرة فيُعلَم أنك لا تريد شيئاً بعينه وأنك تريد شيئاً من أمة كلُّ واحد منهم رجل وضممتَ إليه شيئاً من أمة كلهم يقال له أخٌ‏.‏

ولو قلت‏:‏ وأخيه وأنت تريد به شيئاً بعينه كان مُحالاً‏.‏

وقال‏:‏ أي فتى هيجاء أنت وجارِها إذا ما رجالٌ بالرجال استقلّتِ فالجارّ لا يكون فيه أبداً ههنا إلا الجرّ لأنه لا يريد أن يجعله جار شيء آخر فتى هيجاء ولكنه جعله فتى هيجاء جار هيجاء ولم يردْ أن يعني إنساناً بعينه لأنه لو قال‏:‏ أيُّ فتى هيجاءَ أنت وزيدٌ لجعل زيداً شريكه في المدح‏.‏

ولو رفعه على أنت لو قال‏:‏ أيُّ فتى هيجاء وقال الأعشى‏:‏ وكم دون بيتكَ من صفصَفٍ ودَكداكِ رَملٍ وأعقادِها ووضْعِ سِقاءٍ وإحقابِه وحَلِّ حُلوسٍ وإغمادِها هذا حجةٌ لقوله‏:‏ رُبّ رجلٍ وأخيه‏.‏

فهذا الاسم الذي لم يكن ليكون نكرةً وحدَه ولا يوصف به نكرة ولم يحتمل عندهم أن يكون نكرة ولا يقع في موضع لا يكون فيه إلا نكرة حتى يكون أول ما يَشغلُ به العاملَ نكرة ثم يُعطف عليه ما أضيف الى النكرة ويصيّر بمنزلة مثلك ونحوه‏.‏

ولم يُبتدأ به كما يُبتدأ بمثلك لأنه لا يجري مجراه وحدَه‏.‏

ولم يَصر هذا نكرة إلا على هذا الوجه كما أن أجمعين لا يجوز في الكلام إلا وصفاً وكما أن أيُّ تكون في النداء كقولك‏:‏ يا هذا ولا يجوز إلا موصوفاً‏.‏

وليس هذا حالَ الوصف والموصوف في الكلام كما أنه ليس حالُ النكرة كحال هذا الذي ذكرتُ لك‏.‏

وفيه على جوازه وكلامِ العرب به ضَعفٌ‏.‏